يحتل مفهوم النقل الديداكتيكي موقعا
مركزيا في ديداكتيك العلوم تحديدا، و لقد برز هذا المصطلح إلى الوجود لأول
مرة في حقل ديداكتيك الرياضيات مع
Yves Chevallard، و لم يلبث أن استثمر لاحقا في مجال البيولوجيا من
طرف M.Develay و G.Rumelhard خلال دراستهما لموضوع الذاكرة و مفاهيم علم
الوراثة.
مفهوم النقل الديداكتيكي :
يعرف Arsac. G النقل الديداكتيكي ب:
" مجموع التحولات التي تطرأ على معرفة معينة في مجالها العالم ( Savoir
Savant ) من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة للتدريس"[i]
أما Y Chevallard. فيرى أنه : " هو
العمل الذي نقوم به عندما نحول معرفة عالمة ( Savoir Savant ) إلى
معرفة قابلة للتدريس مع مقاربة ما يحدث للمعرفة العالمة أثناء هذه العملية
."[ii] و إجمالا فالنقل الديداكتيكي نشاط اختزالي و عمل انتقائي يهدف تحويل المعرفة من مجالها العالم وفق إنتاجها الطبيعي، إلى المجال التعليمي المدرسي حسب
شروط و مقاييس خاصة من مراعاة للتغيرات على مستوى الشكل و المضمون دلاليا و ابستمولوجيا و سيكولوجيا ( الفصل عن السياق الذي أتت فيه…)
ومن خلال هذه التعاريف يمكن التمييز بين :
المعرفة العالمة : و هي المعرفة المنتجة من طرف المختصين و الباحثين و تتضمن مفاهيم و معارف مجردة يستحيل إدراكها من طرف التلميذ.
المعرفة اللازم/المراد تدريسها: تتمثل في البرامج الرسمية المسطرة، و هي في مجموعها مستقاة من المعرفة العالمة.
المعرفة المدرسة : تتمثل فيما يقدمه المدرس لتلامذته عبر وضعيات ديداكتيكية معينة و وسائل تعليمية محددة مما يعكس المنهاج الدراسي
الفعلي.
يرى Develay أن النقل
الديداكتيكي " عادة ما يهتم بالانتقال من المعرفة العالمة إلى المعرفة
المراد تدريسها دون اعتبار أن هذه الأخيرة يمكن
أن ترتبط بعلاقات مع الممارسات الاجتماعية المرجعية" [1]، و هكذا يتم تغييب السياق التاريخي لبناء المفاهيم، و تعزل هذه الأخيرة عن مجال صلاحيتها ( المشكل المطروح ) كما يتم اعتبارها قارة و جامدة و صلبة لا تقبل المناقشة
! ! !
المعرفة العالمة (نصوص و مقالات علمية متخصصة )
|
المعرفة المعدة للتدريس | المعرفة المدرسة |
المعرفة المستوعبة
|
باحثون، متخصصون، علماء
|
واضعي البرامج
|
المدرس
|
التلميذ
|
مظاهر النقل الديداكتيكي :
تتسم المعرفة العالمة بالتعقيد
و التطور، يقول Develay " كل معرفة عالمة هي عبارة عن أجوبة على أسئلة
مطروحة أو مقدمة، إن هذه الأسئلة تكون أحيانا عويصة أو معقدة…كما تعتبر
نتيجة لبحث معين مستمر و متتابع داخل مجال محدد و فترة
معينة " [v]. إن مهمة انتقاء و اختيار المادة
التعليمية المناسبة القابلة للتدريس ليس بالأمر السهل حيث تنتج عنه تبعات تتمظهر في تغيرات تطرأ على المعرفة العالمة و هي :
1- إزالة الشخصنة و تجريد المعرفة من الرواسب الذاتية Dépersonnalisation du savoir
: إن كل
إنتاج معرفي يرتبط بفترة زمنية محددة و بشخص معين ( أو أشخاص) و هذه
المرحلة تقتضي من الباحث "إزالة شخصنة المعرفة بحذف التعليلات الشخصية
الذاتية و الخلفيات النظرية الإيديولوجية و الأخطاء و المسالك
المتعرجة و الطويلة.." [vi]
فضلا عن استبعاد الترددات و
العوائق الابستمولوجية و الحوافز الشخصية المرتبطة بالباحث أو المجتمع (
فوراء البحث في مرض السيدا مثلا تكمن دوافع مادية و حوافز اجتماعية
معلومة…)
2- إزالة بلورة المعرفة . Desynchrétisation du savoir
: تتسم المعرفة العلمية بالتكامل و
النسقية ( الوحدة ) و ينتج عن تجزيئها و تفكيكها لهدف تدريسها تشويه
لها، مما يؤثر على فهمها في شموليتها وهذا ما يعاب على المواد الدراسية.
3- إزالة سياق المعرفة / تجريدها من سياقها Décontextualisation
: و تتمثل في حذف القانون
الابستمولوجي للمعرفة العالمة و تغيير تاريخها و سيرورتها الداخلية، و
تجريدها من المشكل الذي كانت تعالجه فضلا عن البحث في السياق العام الذي
ترمي إليه" [vii]
و هنا يؤكد Decoorte أن المفاهيم
العلمية لا تأخذ معناها إلا بداخل سياقها و من هنا تتجلى أهمية اعتماد
تاريخ العلوم حتى يدرك المستهدفون وظيفة العلم و كيفية تطور المعرفة.
4- التبرمج Programmabilité du savoir: يستوجب بناء مقرر دراسي خاص، مراعاة ملائمة مستويات
صياغة المفاهيم للمراحل النفسية و النمو المعرفي للمستهدفين على مستوى السن و الزمن. يرى Arsac أن
" المعرفة المدرسة مبنينة و مقدمة وفق تطور الزمن، و نعني
بالتطور داخل الزمن الوقت الأساسي للتعليم و التحصيل، و إذا لم يتحقق
التعلم المحدد لسن معينة فنستنتج إما فشل التلميذ أو المدرس، أو بصيغة قصوى
فشل المنظومة التربوية…"[viii]
عمل المدرس و النقل الديداكتيكي : إن
عملية النقل الديداكتيكي تسعى إلى دمج المفاهيم و المعارف العالمة في حقل
المعرفة المدرسية، إلا أنه ينبغي مراعاة الممارسات الاجتماعية المرجعية (
حاجيات، قيم…) و اقتراح
أنشطة تعليمية منبثقة من الوسط السوسيوثقافي للمستهدفين، إن عمل
المدرس ينحصر في تحويل المعرفة المعدة للتدريس إلى معرفة مدرسية موازاة مع
عمل المتعلم و هو بذلك مطالب بتحليل المعرفة المراد
تدريسها من خلال :
1 تحديد المفاهيم الأساسية و فرز الأفاهيم و المعارف…
2 تحديد الشبكة المفاهيمية بالنسبة لكل مفهوم مدمج…(لهدف تنظيم المحتوى )
3 مراعاة مستوى صياغة المفاهيم للفئة المستهدفة.
4 ضبط تاريخ المفاهيم المراد تدريسها.
5 مراعاة تمثلات التلميذ و معارفه المتناثرة غير الدقيقة و استثمارها و إعادة بنينتها من
جديد.
6 الالمام بالعوائق الابستمولوجية المتعلقة بالمفاهيم المسطرة.
7 بلورة المعارف المنهجية على شكل كفايات و قدرات …
8 اختيار الوضعيات التعليمية الملائمة…
9 تجنب تقديم المعرفة الجاهزة
المعطلة لقدرات التلاميذ و السعي إلى استدراج المتعلم للمساهمة في بناء
المعرفة بنفسه من خلال تهيئ مشاكل للحل و
جعلها موضوعا للتعلم و لاكتساب خبرات جديدة و هكذا يمكن الحديث عن
سيرورة إنتاجية للمعرفة و كأن التلميذ اكتشفها لأول مرة…
إرسال تعليق